نبذة تاريخية
مدخل،رجل اختارته الأقدار ، سيكولوجية الرئيس ، نبذة عن القاضي العلامة محمد الحمدي ، موعد مع الزعيم ، وثائق انتقال السلطة في يونيو 74 م من القاضي الارياني إلى الرئيس الحمدي
من كتابة الأستاذ محمد صالح الحاضري
" لقد أيقنت أن دول الأخلاق والحياة والإخاء والوفاء تطل بوجهها في أرض اليمن، وستشع أشعاعاً منقطع النظير على غيرها، واليمنيون –كما وصفهم الرسول الأعظم – أفئدة وألين قلوباُ.
تالله إنني إزاء هذه المشاعر اعتقدت أن دولة جديدة لا عهد لنا بها قد وجدت ، وأن على جيلنا أن يهب كل ما تبقى من حياة وطاقة وتجربة لدعم هذه الدولة وتأثيرها ومساعدتها ، وإبقاء كل ما يستطيع من عون ومساندة . إنها فخره وشرفه ومجده وعزه .
إن جيل القيادة الشابة الذي تتمثل فيه هذه الأخلاق العالية ، سيبنى الوطن الجديد أ وسيكون خير الخلف لمن سلف، ولأن القادة التاريخيين لا يتركون فراغا ، وأن يجندوا أنفسهم لإيجاد البديل ،إذ لا يوجد خطأ على القادة التاريخيين أكبر من إن يتركوا الوطن دون بديل ، يتم رسالتهم ويصحح أخطاءهم ، وقد وجد البديل في اليمن، فليبارك الله فيه ويسدد خطاه "
احمد محمد نعمان 1974م
مدخل
حقاً إن الأبطال هم محور التاريخ. وإذا كانت هذه هي الحقيقة السائدة في الغرب ، فإن تميز الشرق على الصعيد الروحي قد جعله ينظر إلى الشهداء على أنهم محور التاريخ ففي السياقات الروحية ينظر المتصوفين إلى سمو التضحية بالروح والجود بها في سبيل المبادئ المرتكزة إلى أعلى الفضائل ، بأنها غاية الجود . وداخل اليمن التي اندفعت قوافل من أحرارها إلى ساحات التضحية من اجل الانتصار لقضية التطور.
وبالنظر إلى المدرسة التي انطلقت منها الأحرار، فإنهم كانوا ذوي نزعة وطنية ودينية وإنسانية.
ومنهم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي فهم قضية الشعب اليمني ، وانطلق إلى قلب العوامل التي أرهقت اليمنيين وأعاقت حقوقهم المشروعة في الحياة الكريمة الحرة .
وكان سعيه إلى بناء الدولة القوية والمجتمع المدني الحديث، المعزز بقيم المساواة و العدالة الاجتماعية والحرية الشخصية في إطار القانون العام لا يصدر إلا عن وطنيين شرفاء ذوي مستوى معرفي كبير. حيث تتمثل القيمة الخاصة بالرئيس الحمدي في أنه ابن الثقافة الوطنية و الإسلامية و الإنسانية ، وأنه ينحدر من بيئة صوفية ومن منطقة وعي اجتماعي متوسط عبر وظيفة القضاء ، التي تحسم قضية الجذور الذاتية في الاتجاه المتعاطف مع الغالبية العظمى من المواطنين ، انطلاقاً من نفس قناعات جمال عبدالناصر والمؤثر الروحي على حياته كمثقف عسكري استمد نظريته من الواقع ، ومن القيمة المادية للثقافة الإنسانية والإسلامية والقومية والوطنية، التي هي أساس الدور الذي تميز به المثقفون العسكريون من قادة ثورة 23 يوليو 52م مصر ، وقادة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م في اليمن.
وهي المهمة التي نفذها المثقفون التحديثيون إجمالاً ، وعبر حضورها عن تواصل بين ثورة المثقفين الأوائل في التاريخ ، وهم الأنبياء ، وعن استنطاق لجوهر الثقافة الإسلامية التحررية التي فجر ينابيعها النبي الكريم محمد –صلى الله عليه وسلم – في القرن السابع الميلادي ، وتوسعت حتى شملت معظم العالم القديم.
ومن هنا أهمية الحمدي ، بالنسبة لنا ، نابعة من كونه نموذجاً وجزءاً من حركة الطليعة الإنسانية داخل الوطن اليمنى ـ التي اتسمت بالنزوع الصوفي الذي اكسبها الجاذبية في سياق البحث عن الكمال لدى الجماهير ، من حيث كونها جماعة إنسانية تمثل النفس الكلية بالتعبير الفلسفي الصوفي، ولدى الفرد الإنساني من حيث كونه نوعاً من متميزا على وجه الأرض ، ويمثل النفس الجزئية في سعيها الغريزي إلى الاندماج الروحي بين الجزئي والكلي .. بحيث أن القيمة ليست في الحمدي ذاته، وإنما في ما هو تعبير من خلاله عن قيم وعن قضية هي أصل الحالة الروحية والمادية التي تضفي نفسها على علاقة خاصة بالتاريخ وبالسياق الموضوعي للعلاقة الجدلية بين النسبي والمطلق ، وبين الزمان والمكان ، من الزاوية المعبرة عن الجدل بين المادة والروح داخل المجتمع الإنساني .
وفي الخلاصة تكمن أهمية الحمدي في أن وعينا المبكر قد تفتح عليه في منتصف السبعينات وعلق بذاكرتنا إلى اليوم .
وهاهو حضورنا نحن الجيل الذي تفتح وعيه على نضال الحمدي ، ويحمل نفس عمر الثورة ، نأتي بعد أكثر من عشرين عاماُ على استشهاده، لنعلن الانتماء لمبادئه ونهجه والانتصار له ولكل الشهداء الذين سقطوا خلال رحلة الثورة الطويلة بعد محاولات الطمس والإساءة التي أفشلتها مشاعر الجماهير اليمنية المغدورة في آمالها وحقوقها الإنسانية الوطنية .. جيل الثورة الذي يجب منطقياً أن يتولى إدارة البلاد في إطار التطور السياسي التاريخي وصراع الأجيال ل، بعد تحطم الانغلاق العبثي للنادي السياسي التقليدي، الحاكم اليمني منذ مطلع القرن العشرين، والحاكم لدولة الثورة تحديدا منذ 62م إلى اليوم. فقد وضعتنا الظروف والاحداث والتطورات أمام المسؤولية التاريخية لتصحيح الأوضاع على نهج حركة يوليو المنسجم مع خصوصيات وطننا وظروفه الموضوعية ضمن نفس الاستحقاقات الوطنية التي فرضت نفسها صبيحة يوم الثالث عشر من يوليو 74م على الواقع المادي للمجتمع والدولة .
فلابد من إنقاذ الجمهورية من الضياع ، إنقاذها بالمضمون العلمي للكلمة . وإعادة الاعتبار لصانعي التاريخ الوطني على مستوى الجيل بأكمله ، وذلك كانت هذه المحاولة المكتوبة عن الشهيد الحمدي ، التي لم أقصد بها التوثيق الكامل للفترة 74-77 م ، وإنما التحليل الجزيء للوثائق في سياق الغاية الأساسية عن الموضوع ، وهي التعريف بنضال الحمدي ، وإيصال الحقيقة بشأن ذلك إلى الجيل الذي لم يطلع بالقدر الكافي على هذه الفترة من تاريخ الحركة الوطنية اليمنية.
ولذلك أيضاً فإنني قد انتهجت خطا معقولاً في ربط المعلومات و التسلسل فيها قدر الإمكان، والاعتبار الكامل للناحية الفنية والتحليلية، التي قد تجعل التداخل بين التواريخ والأرقام والمعلومات قائمة بحسب الظروف ضمن الاعتبار الأول للموضوع، وهو تقديم الفكرة المبدئية عن القضية السياسية والاجتماعية لحركة يونيو، وليس التوثيق كهدف أول ، الذي هو موجود أصلا خارج ما يمكن وصفه بالحاجة الماسة للتوثيق الذي قد يتم عبر الاصدارت والكتب، وتضغط الأهمية من أجله في الحدود المتعلقة بالتوسيع الموضوعي و الخدمة العلمية التحليلية للتراث السياسي وعلم التاريخ في جانبه المعاصر والمحاذي نوعا ما للماضي القريب داخل وطننا بالتحديد.
ومن أجل هذا فقد أخذت نماذج من الأنشطة اليومية للرئيس الحمدي داخل الموضوع، وليس كل الأنشطة التي تحتاج إلى آلاف الصفحات، لأنني قصدت الطرح الجزئي لجانب من الوثائق ، وليس التوثيق الكلي للواقع المادي المكتوب طيلة الثلاث سنوات من عمر قيادة حركة يونيو للشعب اليمني – 74-77م كما ذكرت آنفاً.
فقد كتبت الموضوع من واقع الانتماء الثقافي لمدرسة الأحرار اليمنيين، التي تمثل حركة يونيو جزءاً هاما منها، هي ذروة التطور المادي لحركتها التاريخية. وكتبت بمشاعري وعقلي في إطار الموضوعية التي تتفجر في ظلها العاطفة الروحية للانتماء ، تتفجر من داخل المبادئ الأخلاقية العليا.. وقصدت أيضا إسداء الخدمة قدر الإمكان للقضية الوطنية والجماهير الواسعة في أنحاء الوطن اليمني، وهي في تقديري محاولة جيدة إذا ما قيست بالإمكانيات المادية و التمويلية المتواضعة لمثل هذه الحالات، وكل ما يتعلق بالغرباء من اخلص أبناء الشعب اليمني ، راجيا أن تنال ما تستحق من الإعجاب والتفهم. وطوبى للغرباء.
رجل اختارته الأقدار
" لقد قابلت الرئيس الحمدي ، ووجدت في وجهة سماحة ، ولكنها سماحة ثائر، وفي وجهه هدوءاً ، ولكنه يسبق العاصفة، اوهو بعد عاصفة ، وفي بيانه ترتيباً و منطقاً ، ترتيب مهندس يضع طوبة فوق طوبة ليبنى بيتاً ومنطق قاض يضع حيثية بعد حيثية ليصدر حكماً .
أليست هذه مواصفات رجال تختارهم الأقدار ليكتبوا التاريخ؟
لقد هناك في صنعاء في مكتب الرئيس الحمدي ،قائد اليمن ، المصحح الذي ثأر منذ ثلاثين شهراً على فوضى الحكم ومراكز القوى وفساد الضمائر . ومكتبه بالمناسبة –متواضع كأي مكتب في محافظة صعيدية".
قوميل لبيب- مجلة "المصور المصرية" القاهرية
نهاية 76م
لقد تخيلته سيف بن ذي يزن
"قابلت الحمدي بعد ثلاث أيام من وصولي للاطلاع على الحياة في اليمن. وحين فتح لي باب المكتب ، كان الرئيس يقف في استقبالي بزيه البسيط : بدله ذات لون بني وقد بادر بالسؤال عن "اليمامة" وجهازها يدل على متابعة خاصة ، فقلت له كيف تجد يا سيادة الرئيس الوقت الكافي لمتابعة هذه الأمور ، وان تقرأ أيضاً بهذا الشكل ؟ فقال الحمدي:
أي رئيس هو إنسان قبل أي شيء.
إن مكتب الرئيس إبراهيم الحمدي ، غرفة متواضعة جداً من غرف القصر الجمهوري . ولا أدري لماذا تخيلته فارس اليمن سيف بن ذي يزن محرر اليمن من الأحباش والأوباش؟!
وأشهد بأن الحمدي ينفع صديقاً لكل إنسان".
رئيس تحرير "اليمامة " السعودية
1977م
قيادة الحمدي أدهشت الدبلوماسيين
"المزاج العام لليمنيين في هذا العام، لم يكن مثل الأعوام السابقة. فاليمن تعيش حالياً مرحلة ازدهار اقتصادي. وقيادة الحمدي للبلاد طوال السنوات الثلاث الماضية أدهشت جميع الدبلوماسيين ، فهو حازم في السلطة ، ويبع سياسة انفتاح على كل الاتجاهات وسمعة الحمدي الدولية تزايدت منذ توليه السلطة ،حيث رأس مؤخراً المؤتمر الرباعي الذي طالب بجعل البحر الأحمر بحيرة سلام، ونال اهتمام دولياً . والنسبة للاقتصاد اليمني فإنه ينمو بسرعة فائقة . ومستوى المعيشة في ارتفاع مضطرد"
"الجارديان" البريطانية
1977م
رسالة إلى الحمدي
"لم يكن خطكم السياسي واضحاُ فيما سبق ،أما آلان فقد أصبح واضحاُ . وإنني أبدي تأييدي لفكرة الدولة المركزية وللإجراءات المؤدية إلى ذلك"
الدكتور محمد علي شاهر
1975
" إن الأيادي التي امتدت إلى ابن الأمة العربية المخلص الشهيد إبراهيم الحمدي ،هي أيادي غاشمة أثيمة ،تتربص دائماً بأبناء الأمة العربية المخلصين ، أصحاب العزائم والمنجزات الكبيرة".
من البيان الذي أصدره الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
أبو ظبي – 12 أكتوبر 1977م
" إنه مهما يكن من أمر ،فإن حادث مصرع الشاب الخجول والحكيم الوطني ،المقدم إبراهيم الحمدي ،هو من الخطورة بحيث يفوق الضجة الإعلامية الهائلة التي أعقبته.
وسيدرك العرب بعد قليل أن الشاب الخجول والحكيم الوطني ،كان نسيجاً خاصاً من الزعامات العربية الكفؤه والمتواضعة ، والتي خدمت بلادها بصمت ،وإنه استطاع خلا السنوات الماضية أن يتصدى لأعباء نأى وسينوء سواه عن حملها".
الأستاذ محمد باقر شري
"السفير" البيروتية- أكتوبر 77م
رجل التوازن البارع
"لقد رحل عن المسرح السياسي رجل التوازن البارع إبراهيم الحمدي".
افتتاحية "الأهرام" -12 أكتوبر 1977م
الزعيم الذي نصبه الشعب
" يجب أن نعرف أن الثورة لم تصل بعد إلى غالبية شعبنا من العمال والفلاحين في القرى النائية و المدن ، وهم أغلى ما في وجودنا ، وعلينا أن نجعل من هيئات التعاون الأهلي للتطوير مدخلاً لوصول الثورة إليهم: عدلاً وتعليماً ومشاريع مياه وتنميه زراعية"
إبراهيم الحمدي
إبراهيم الحمدي ليس بحاجة للكتابة عنه والتذكير بحركته -13 يونيو التصحيحية – فلم يكن مجرد رئيس يعتلي دفة الحكم ، أو وجد نفسه متربعاُ علها ، ولم يكن قائداً بحكم السيطرة لتركيبة شكلها ، وبنية فرضها ، وإمكانات أهدرها لتكون الضمانة الأكيدة والوحيدة لبقائه في موقع القيادة ، كما لم يكن زعيماً صنعته وسائل الدعاية ، وتشكلت شعبيته من أجهزة الإرهاب والقمع ودوائر الانتهازية وعقد النقص وشبكات الفساد.
فقد عرفه العالم من حولنا رئيساً للجمهورية العربية اليمنية ، ورأت فيه جماهير شعبنا بامتداد اليمن مجدداً لشباب ثورتها ، ورمزاً لوحدتها وكبريائها ، وعنواناُ لإرادة التحدي والنهوض التي فجرها في أعماقها ، وقائداُ أميناً لمسيرتها نحو مستقبل أرغد راح يتلألأ في الأفق أمام أعينها ، ثم زعيماً يحمل عبء معاناتها وهمومها الكبيرة ،كما يحمل سر آمالها الكبرى ومفاتيح إحالتها إلى حقائق حية معاشة ،وعبر علاقة أسطورية واستثنائية كان يرى في الجماهير سر قوته وشروط وأهداف رسالته بمفاعلة تاريخية خلقت ورسخت إحساساُ مشتركا عند القائد والجماهير بانتمائه وحضوره ف كل أسرة في اليمن ،هذا الإحساس وحده الذي ارتقى به غالى مصاف الزعماء التاريخيين.
فما الذي يمكن كتابته عن رجل كهذا؟!!!
غير أنني كلما ذكرت إبراهيم الحمدي – وكيف أن ينسى إبراهيم – ورد إلى ذهني مأثوراته السابقة ،حتى لكأنها أصبحت نقشاً محفوراً في الوعي ،ليس لأن الرجل لو لم يقل سواها شيئاً ،لكانت وحدها كفيلة بتقديمه كواحد من الذين استوعبوا واقع اليمن وظروفه ، وأعطوا في كلمات موجزة نظرية و إطاراً برنامجياً واقعياً وعلمياً لمعالجة أوضاعه.
ليس هذا كله وحسب ، وإنما بالإضافة إليه، لهذا الصدق المستحيل في عصر الزيف العظيم ،ومن رجل في قمة النظام لا يجاهر بمساوئ نظامه وحسب ،وإنما يدعو الناس وكأه يلزمهم بضرورة الوعي بتلك المساوئ ومن أجل تحفيزهم وتحريضهم ،راح يضخمها لخم !! وحتى تتضح الصورة أكثر تعالوا معي نجري المقارنة السريعة التالية:
لا أعتقد بأن ثمة شكاً في ما أحدثته حركة13 يونيو التصحيحية كم تجديد ملموس لشباب الثورة وحيويتها وأن قائد الحركة كان عصارة وخلاصة لمسيرة 14 عاماً من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، ومع ذلك كله ، وبالرغم منه ،يؤكد "إبراهيم" بأن الثورة لم تصل بعد إلى غالبية الشعب!! مع أن الشعب كان يعيش خلال مرحلته عرساً ثورياً حقيقياُ.. فلنقارن هذه الحالة بما لاكته ومازالت أجهزة الإعلام وغيرها عن الثورة ، وفي المقابل ما جرى ويجرى على واقع الحياة ، وما الذي يمكن أن يلحق بمن يتجرأ، فيقول أن جزءاً أو زاوية أو مرفقاً في البلاد لم تصله الثورة بعد .
لسنا في مجال مقارنة، بافتراض ذلك، ولكن ريما لأن ما أشرت إليه مقارناً هو من الأسباب الرئيسية التي تشدني باستمرار إلى المقولة.. البرنامج.
إنها مقولة تكشف شخصيته ووعيه وهويته وتوجهاته ، وفهمه لطبيعة السلطة، وعلاقته معها ،وعلاقته بالناس على أساس من الصدق والوضوح الكاملين ،بصورة عامة ،وتجاه أهم وأخطر القضايا بصورة خاصة ، كما أنها تفصح بشكل دقيق عن وعي عميق بالواقع وبالأوضاع الاجتماعية ، وعن موقف اجتماعي ، ويتجلى الصفاء الذهني والوعي التاريخي عند "إبراهيم " في مقولته السابقة في فهمة لطبيعة الثورة بصورة شاملة ،وللثورة اليمنية على وجه التحديد ، وفي نوقفه النقدي المحرض ، وهو على قمة السلطة ،ليس ذلك وحسب ، وإنما أيضا يتألق أكثر ف إبداعه للعمل التعاوني ،وتحديده الدقيق لمهام ودور مؤسساته .
ثم نختم مقولته بتأكيد خلاق لطبيعة الثورة ،وبتحديد علمي مرتب لأولويات مهامها ، فالثورة عنده برنامج تغيير بأهداف محددة ،وأوليات بمهامها الواضحة ، وبغير إنجازها في الواقع ، واقع الحياة ، ولمصلحة الشعب كله والوطن كله ،يصيح الحديث عن الثورة غير ذي جدوى أو فائدة ، إن لم يكن إساءة إليها وتعطيلاً وتخريباً لها بقصد أو بدون قصد .
ذلكم هو "إبراهيم الحمدي " كما عبر عن ذاته بكلمات محدودة وعبارة موجزة يصعب في هذه العجالة قراءة وتحليل كل م اشتملت عليه.
سيكولوجية الرئيس
لم يكن زعيم حركة الثالث عشر من يونيو متميزاً داخل المجتمع المدني فحسب ، وإنما كان متميزاً حتى داخل بيت الحمدي ذاته ،بحيث لم يشترك معه في المواصفات السيكولوجية القيادية أحد من أخوته ،سوى القليل جداُ من أفراد النخبة السياسية والعسكرية والمثقفين .
فقد كان مثقفاً عسكرياً، حمل نزعة الحرص مع الثقة والقوة، وكان مثقفاً مدنياً كذلك، حتى أن الساحة الوطنية لم تشهد إلى الآن بروز عناصر سياسية لبقة وماهرة وتاريخية على النطاق الواسع مثله.
فهل كان ذلك لمهابة الرئاسة أم لاستثنائية الحضور؟
وهنا يطرح العامل الثاني نفسه بقوة ،لكون إبراهيم الحمدي في مرحلة الطفولة ومرحلةالمراهقة ومرحلة الرجولة ،ظل هو ذلك المتراكم سيكولوجياً من الناحية الايجابية ،وظل ذلك الابن والأخ والأب من الناحية العاطفية في كل المراحل الثلاث من حياته.
فقد روى أحد أخوته الكبار أن إبراهيم كان في أحد أيام طفولته المبكرة يلعب بالقرب من البركة المملؤة بالمياه في حوش الحاكم القضائي محمد الحمدي . وعندما اقترب من أكثر من الحافة ،وبدأت يده تلامس الماء،شاهد صورته على سطح الماء الصافية للبركة ،فأخذ يحاول إنقاذ هذا الغريق الذي أمامه بحسب ما رسمته في ذهنه عجائب وبراءة الطفولة وادي الأمر إلى انزلاقه في البركة ، حتى استغرق أفراد أسرته بعد ذلك عدة دقائق لإنقاذه وتفرغ الماء من داخل جوفه.
وفي مرحلة الشباب – وتحديداً في بدايتها – أدى جلوسه على كرسي القضاء من واقع وضعه المعنوي كمساعد لوالده الذي لقنه أدق التفاصيل الخاصة بالشريعة .. أدى ذلك إلى إثارة الكثير من الجدل المقرون بالتعجب والاهتمام بمهارته في آن واحد.
أما المرحلة الأخيرة من حياته ،وهو في الكهولة المبكرة جدا- باعتبار استشهاده قبل بلوغ منتصف العمر – فإنه كان مصفداً كما يقال بالتعبير المحلي – عن كبار القادة الذين أثارت مواصفاتهم إعجاب الناس ،وهي الصفة التي يقال إنها كانت موجودة في الإمام أحمد على رغم قسوته واختلافنا معه.
وكان الحمدي يساجل زائريه بالشعر الاستفزازي من أبيات كبار الشعراء ،التي تنطبق على هؤلاء الزائرين الذين بدورهم يردون عليه باستفزاز مماثل ،ربما أشد ،فيقابل ذلك بالضحك.
أما أسلوبه في التخاطب مع النخبة، فكان بلاغياً ومستعملاً للأمثال بكثافة، وكان لماحاً شديد التأثير، وسديد الرأي أيضاً.
ومن الزاوية الخاصة بالمشترك اللغوي والنفسي للأجيال، فإنه في أيعاد شخصيته، كان واحداً من جيل تكرس حضوره تحديدا في التربية والتعليم والتربية، وهو الجيل الذي خرج منه ابرز المناضلين والعلماء والقادة والأدباء.
ولذلك كان الحمدي يتحدث باللهجة الصنعانية العذبة الممزوجة بمفردات اللفظ ومخارجه السائدة عند القضاة تحديداً، وعند المعلمين وموظفي الحكومة . وإذا جاز الإجمال ،ربما كان لسان الحمدي هو أبرز انعكاس للهجة المستخدمة داخل الطبقة المتوسطة ،وهي اللهجة الحاملة لعنصر التوازن بين الطبقة الاجتماعية العليا والطبقة الاجتماعية الحاضنة للسواد الأعظم من أبناء الشعب .
فالحمدي لم تكن لهجته ريفية، ولم تكن صنعانية ،وإنما كان بين ذلك –قبل أن تكون قد تشكلت لهجة المثقفين اليمنيين على النحو السائد الآن ،التي وصفها الأستاذ عبدالله البردوني بالفصيعمي ، أي الخليط بين الفصحى والعامية – وكان متأدبا مع محدثيه ،ولا يتوجه إليهم بدون الألقاب . وعلى سبيل الاحترام الذي هو شبه معروف داخل اليمن،نحو إب بكلمة "ياخال" لأن أمخ من قعطبة التي أصبحت الآن جزءا من محافظة الضالع.
وكثيراً ما استعمل مع محدثيه عبارات تدل على الامتثال والتودد والتلمذة، وخاصة كبار السن. أما التعامل اليومي ،فإنه في أثنائه كان رحيماً لم يصمد أمام حنق الأطفال ضمن الإطار الكبير للأسرة،وغالبا ما اعتذر في نهاية المطاف للأطفال من أبناء إخوانه وأخواته بحسب ما شرح لي أحد أبناء أخته صفية في سياق قصة حدثت مع خاله إبراهيم الذي رجزه لسبب وجيه ،وهو التعلق وراء إحدى السيارات ،ثم اعتذر له في المساء بعد أن علم بحنقه، وهو الاعتذار المشفوع عادة بالتعاليم والحيثيات.
وإذا فتحنا دولاب الحمدي فلن نجد إلا بضع بدلات ، ولم يكن له طباخ خاص أو حلاق خاص ، حيث كان يحلق ذقنه بنفسه ،وكان سائقة احد أصدقائه ، وجنود الحراسة أيضاُ كانوا قريبين منه بحيث يخاطب أحدهم متى إنشاء .
أما أصدقاؤه ، فكان أقربهم الرائد على قناف زهرة الذي غالباً ما كان يجتمع به وببعض الزملاء ف فترة بعد الظهر دون أن يمنع ذلك استقبال الكثيرين في أثنائها بحسب ما تقتضيه المسؤولية . وكان يقول بأنه يجب أن يكون للرئيس دوام رسمي كالموظفين.
أما من الناحية الروحية ،فقد كان لابتسامة الرئيس الحمدي وقع خاص بعد أن تظهر اثنتان من أسنانه العلوية أثناء الضحك . وهو بجاذبيته كان مثالاً متميزاً ، وبالأخص منذ أول يوم لبس فيه البذلة العسكرية التي لم تكن شارات الضباط على الكتفين تضيف إلى مهابته شيئاً ن لكونه مثيراً للخيال حتى بثوب الجندي العادي ، وكان هذا المشهد يبلغ الذروة بارتدائه لبدلة العاصفة المموهة أثناء قيادته لقوات الاحتياط العام أيضاً ، وكان يسخر من النياشين ويصف حامليها بالمجانين.
ولذا كان محدث الرئيس الحمدي يجد نفسه أمام تركة ثقيلة ورائعة بنفس الوقت إزاء هذا الاستثناء الذي يحمله الطرف الثاني أمامه، ويجد كذلك بأن ما كان ينعكس ويشع داخل الشخصية الفذة للحمدي ، هي تلك الإيماءات والإشارات البليغة الذكية المعبرة ، التي كانت تتدفق من حركة العين والملامح ، في تناوب مدهش أثناء الكلام، وهو ما جعل من الشاب إبراهيم الحمدي أهم المشاريع القيادية منذ أول أيام 70م وليس 74م فقط.
نبذة عن القاضي العلامة محمد الحمدي
في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم لعام 1306ه الموافق 1889م ، وف ليالي القدر المبارك ،شهدت مدينة ذيبين التاريخية مولد العالم الجليل والفقيه العادل ، القاضي محمد بن صالح الحمدي –طيب الله ثراه ورحمه رحمة الأبرار – وفيها قضى سنوات العمر الأولى في كنف والده الفقيه الذي تولى تدريس القران الكريم ، مع شقيقه القاضي على بن صالح الحمدي وعبدالخالق ورحمهما الله..
وما أن اشتد عوده وقويت شكيمته، حتى تاق شوقاً للعلم والمعرفة. ومن اجل ذلك فقد أبلى بلاء حسناُ في سبيل التحصيل العلمي والتزود به، والنيل منه حتى ولو كان في الصين.. عملاً بالحديث النبوي الشريف " أطلبوا العلم ولوفي الصين. ومهما كان الثمن ،فلقد هيأ نفسه و استعد أيما استعداد ، كما كان والده الفقيه يتفرس في ولده محمد- وفراسة المؤمن لا تخيب – بأن شأناً عظيماً سيكون له ،خصوصاً والمولى جل وعلا قد انعم عليه ورزقه به في شهر كريم وليلة مباركة هي بألف شهر.
هذا ولقد ودع الأهل والأحباب ومسقط رأس والده (ذيبين-حاشد) مهاجراً إلى الله ورسوله في طلب العلم ، فتوجه إلى المناطق التي سيجد ضالته المنشودة،وتحقيق حلمه الكبير ،وكانت محطته الأولى في رحلته الشاقة هي مسقط رأس والده محل حمده الذي مكث فيها فترة يسيرة لازم خلالها الشيخ مطيفر الحمدي رحمه الله ، ثم تاقت نفسه لمعرفة المزيد ،فتوجه وعناية الله تحفظه مشياً على الأقدام إلى مدينة شهارة ،مجتازا في رحلته مسافات طويلة وشاقة . وهناك طابت نفسه وقرت عينه لتلقيه العلم من منبعه على يد شيخه وأستاذه المجتهد القاضي عبدالله الشماخي رحمه الله ، ومن أبرز زملائه في هذه الفترة السيد عبدالملك المتوكل الذي كان نائبا للإمام في لواء حجة . والعرفان بالجميل في هذه الدنيا شيء عظيم ،فلقد اثنى كثيراُ على فترة وجوده في منطقة شهارة ،وما حققه فيها من تحصيل علمي على يد شيخه المجتهد الشماخي.
وما إن اختار الرفيق الأعلى شيخه إلى جواره حتى بدأ يبحث عن مكان آخر يكمل به رحلة العلم والمعرفة ،فكانت مدينة العلوم صنعاء هي محطته الأخيرة ، وفي احد منازل جامع الخراز سكن حتى يتسنى له ، وعن كثب ،حضور جميع حلقات الدرس التي كانت تقام في نفس المسجد . ومن أبرز زملائه في هذه الفترة السيد عبدالله الوزير.
حياته العلمية:
بعد الجهد الذي بذل من قبل عالمنا، والذي استمر طويلاً، وكانت ثمرته محطة علمية زاخرة في علوم كثيرة أهلته لأن يرتقى لأهم الوظائف في الدولة، وهو العمل في مجال القضاء، حيث تم اختياره بعناية فائقة من قبل الإمام رحمه الله. وكانت الدرجة الوظيفية التي عين فيها لأول مرة هي(حاكم) ، والمنطقة التي زاول فيها المنصب منطقة السودة –جبل عيال يزيد .ثم توالت عليه المهام القضائية المتعددة في شغل هذا المنصب .ولمدة خمسين عاماً تقريباً ،قضاها بعفة ونزاهة ، وفي المناطق التالية: منطقة السودة،مدينة إب ،مدينة الحديدة، بيت الفقيه،مدينة اللحية،مدينة قعطبة،ضوران آنس ،بنى مطر،مدينة الطويلة ، وأخيرا مدينة ذمار ، والتي قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وهو لايزال حاكم مقام فيها.
هذا وان الشيء الذي يدعو إلى الفخر والاعتزاز في حق هذا الرجل العظيم،أن جميع من عرفه واحتك به في تلك المنطقة قد شهدوا له بالعفة والنزاهة ،وأنه بعيد كل البعد عن الشبهات ،وهذا شرف عظيم ،كما أنه قد توج عمله الناصع البياض بحكمه على الإمام نفسه في موضوع النزاع الذي نظر فيه ،وكان الإمام احد الطرفين ،والطرف الآخر احد المواطنين من آنس ،ولقد نفذ ذلك الحكم لصالح المواطن وهذا يكفي..
الحالة الاجتماعية:
لقد جسد علمنا الجليل الآية الكريمة " وانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" صدق الله العظيم .. ولكونه قد تنقل في مشواره الوظيفي في عشر مناطق ، فقد تزوج من بعض هذه المناطق فكانت أمهات اولاده من مختلف مناطق اليمن مما أعطى مظهراً للوحدة الوطنية داخلهم وانعكس ذلك بعد في أدوارهم السياسية وبالأخص نجلاه إبراهيم و عبدالله .
عدد أولاده
له من الأولاد الذكور ثمانية، ومن الإناث أربع، الجميع اثني عشر.إبراهيم شهيد الوطن والوحدة ،فقيد اليمن الغالي ،الراحل العظيم ،الرئيس العادل ابن الحاكم العادل ،من وهبه الله نعمة لوالديه ،وشعبه،إبراهيم محمد الحمدي ،والذي جسد في فترة زعامته على هذا الوطن ،العدل ،والتواضع ،والحرص التام على المال العام، والأمن ،والاستقرار . بل لقد كان ممن يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً..
أما أكبرهم سناً فهو المغفور له القاضي عبدالوهاب محمد الحمدي رحمه الله ،الذي انتقل إلى جوار ربه في الأول من سبتمبر عام 93م عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماُ ،تغمده الله بواسع رحمته،واسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين.
موعد مع الزعيم
ولد إبراهيم الحمدي بمحافظة إب – مديرية قعطبة- حيث كان يعمل والده القاضي محمد الحمدي الذي كان قد تزوج بأم إبراهيم في قعطبة ،وهي من أسرة الخطيب .وقد أشارت بعض الوثائق الرسمية إلى انه ولد عام 1943م ،إلا أن وسائل الإعلام قالت في أول أيام حركة يونيو ،أن عمره سبعة وثلاثون عاماً ،تقول أسرته إنه لم يتجاوز الواحد والثلاثين في يوم قيام الحركة ،مما جعل الأمر متضارباً لدينا في مسألة العمر وتاريخ الميلاد ، إلا أن الأرجح هو تقدير الأسرة التي أكدت ان تاريخ ميلاده كتب بخط والده في مصحفه بالتاريخ الهجري والده كشفت قصاصة بخط الولد تؤرخ لميلاده الهجري وهو الأربعاء 25 شهر رجب 1362الموافق 28 يوليو 1943 لكنه –هذا هو المهم –ولد في فواحد من أهم بيوت العلم ،والتصوف ،وهو بيت الحمدي الذي اشتغل معظم رجاله بالقضاء ،مما اثر على نشأته –إبراهيم في اتجاه احتمالات الاحتراف لنفس المهنة لولا ظروف المرافقة لاندلاع الثورة السبتمبرية والأجواء العربية والدولية المفعمة بانتصارات العديد من حركات التحرر ،وبنداءات التحديث التي أدت إلى انخراطه في المظاهر الجديدة التي بدأت تعم اليمن على حساب الإرث التقليدي للمجتمع اليمني ،الذي بسبب التجاوز له لم يصبح إبراهيم الحمدي قاضياً مثل أبيه بعد أن كان في مرات عديدة يجلس على كرسي القضاء ،ويقرر كثيراً من الإحكام الصائبة نيابة عن والده.
وكان لنشأة الحمدي في مناخ الطبقة المتوسطة دور في التفاعل مع القضايا الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية من خلال القابلية النفسية والذهنية التي يتسم بها المتوسطون اجتماعيا إزاء علمية النهضة والتغير إجمالاً.
ويقول المطلعون على تفاصيل فترة طفولته، انه كان نابغاً بوضوح جعل والده يتوقع له شأنا عظيماً، ويعامله بأسلوب مختلف جعل أقربائه يستعدون قصة يوسف الصديق وأخونه مع أبيهم يعقوب ابن إسحاق عليه السلام.
ولذلك فإنني أعتقد بأن الثورة السبتمبرية قد ساعدت على حدوث جملة من التحولات في داخل الشهيد بالشكل الذي كان بدون قيامها –أي الثورة سيجعل إبراهيم الحمدي يرث القضاء عن أبيه ولا يدخل في المسار الذي جعله بعد 62م أهم الشخصيات المؤثرة في الساحة خلال السياسة والعمل الوطني ،وليس القضاء الذي كان سينبغ فيه أيضا في درجة عالية محتملة،لكون ا تسام باطنه بالإخلاص إجمالاً قد أصبح هو المحرك الداخلي لكل التقدم الذي حققه في الساحة،وكان سيحققه في القضاء أيضا.
ولقد كان والد الشهيد هو المعلم الأول، بل ومصدر التأثير الأساسي عليه في فترة الطفولة، بالإضافة إلى الشيوخ الذين تلقى على أيديهم علوم الدين والنحو والتجويد.ثم كان لإشعاع القادم من مصر ،والتنوير الذي قام به الأحرار اليمنيون بعد ذلك ،درو تفعيل روح الإخلاص لديه ومعظم أبناء جيله ،إلى مستوى النزعة الإصلاحية العارمة التي وجدت طريقها في أجواء القيم الايجابية السائدة داخل المجتمع اليمني ،لطبيعة التربية الروحية القائمة في كل بيت داخل اليمن ،على أساس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومبدأ الغيرة على الحق والدين والوطن التي جعلت المجتمع اليمني بيئة خصبة لنداءات النهضويين من أمثال الشيخ جمال الدين الأفغاني ،وتلميذه محمد عبده التي بصرف النظر عن وصولها المتأخر –أثرت في قادة وعناصر حركة الأحرار اليمنيين منذ ما قبل 48م ، وبيئة خصبة لمحاولة العروبيين الغاضبين كذلك من أوضاع الأمة ظنوا تحديداً وضع اليمن الذي اطلع عليه العديدون من أمثال الشهيد جمال جميل العراقي.
وفي الأخير كان نداء الواقع المأساوي لليمن هو جوهر النظرية السياسية للأحرار وللحمدي بعد ذلك .ومن هنا كان الحمدي – في مجمل تكوينه النفسي والثقافي والوطني –مزيجا من الجذور القانونية والشرعية والإسلامية التي غرسها فيه والده ،وكونت مفردات اعتقاده المبكر ،ومزيجا كذلك من فكر الصحوة للأفغاني في القرن التاسع عشر وفكر الأحرار اليمنيين المعززين بعدالة القضية الوطنية في نهاية النصف الأول للقرن العشرين ،ومنهم زيد الموشكي الذي كان متيماً بجمال الدين والأستاذ البراق سكرتير الأمير إبراهيم الذي استطاع التأثير على هذا العضو الهام ف الأسرة الحاكمة ،ودفعه إلى توجيه الانتقادات العلنية لوالده الإمام يحيى.
وأيضا من هم القضية العربية الذي حملته ثورة 23 يوليو 52م في مصر، وجاذبية الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر ،وعناصر الحركة القومية في العراق وسوريا ولبنان ،التي دفعته نجوميتها بعد ذلك باتجاه القوات المسلحة ،كأداة ضمن ظروف ذلك الوقت ،لتوسيع قاعدة التطبيقات الإصلاحية في المجتمع ، وكان ذلك هو الدافع لدخوله كلية الطيران والتخرج برتبة ملازم في الجيش في نهاية الخمسينات .
ولطبيعة المجتمع اليمني ذي الانفراج النفسي والسياسي الواضح نتيجة القيم الإنسانية السائدة – كما أسلفنا –إضافة الى ما يتمتع به الشهيد من جاذبية في المظهر ،وسلامة المعتقد ،وقوة المنطق فإنه بدأ يشق طريقه بتعاطف واضح من خط القيادة الاول للدولة والجيش ، وبالذات من الفريق حسن العمري ،منذ تولي مهمة التدريس في الكلية الحربية موقع القيادة للواء الاول في بني مطر ضمن عملية المشاركة في الدفاع عن الثورة.. التي شملت قيادته للعمليات في العديد من المناطق حتى أصبح قائداً للمنطقة العسكرية الغربية ، ومساعداً إدارياً للعمري.
أما إيديولوجيا ،فإن كل الحقائق تؤكد عدم اعتناق الحمدي سوى للفكر الاجتماعي المناهض للاستغلال والداعي للعدالة الاجتماعية ،بمعزل عن أية ملحقات مادية تابعة للنظرية السياسية اليسارية.
وثمة مؤشرات دالة على جوهرية الحمدي ،تطرحها عملية المشاركة المبكرة والقوية في الحكم ، الذي جعلته يبدو أكثر حنكة إزاء مجمل العوامل والأدوات السياسية و الفكرية التي اندمجت مع بعضها ضمنياً بما يشبه زاوج المتعة بعد نوفمبر 67م ، الذي جعل البعث يدخل في نوع من التحالف السياسي مع القوى والعناصر اليمنية ،وفي مقدمتها بعض كبار المشايخ ، في ضل معرفة مسبقة لكل الإطراف بنوايا وتخطيط الأخر ،ليؤدي هذا إلى اتساع شهية قوى الإقطاع السياسي المشاركة ،إضافة إلى بداية نشوء ما يمكن تسميته بالعائلية داخل السلطة لبيت الارياني وبيت أو لحوم.
وقد بدأ النوفبيريون يأكلون ،بداية من تصفية الفريق قاسم منصر جسدياً ،ثم الفريق العمري سياسياً ، وهما الحليفان اللذان أدى غيابهما لتعزيز مواقع القاضي الارياني في السلطة، وهي الفترة التي كان قد أصبح الحمدي فيها قائداً لقوات الاحتياط العام، ثم قائداً للمنطقة المركزية ونائباً لرئيس الوزراء أوائل السبعينات . وهنا بدأ التنافس يأخذ أشكالا جيدة بين بيت الارياني وبيت أبو لحوم، النافذين في أهم قوات الجيش،في حين كان يتبوأ شيخهم منصب محافظ الحديدة.
وأيضاُ بدأ الخلاف يتطور بين الارياني ومعسكر الحجري المتحالف مع الاخوان المسلمين والمشايخ ، ثم الدخول في صراع متواصل مع الشيخ الاحمر . وهنا كان البعث يتعامل مع أشخاص مزدوجين داخل السلطة من الذين كانوا يستلمون مرتبات شهرية نقداً بعشرات الآلاف من الدولارات من العراق ، في نفس الوقت الذي كانوا فيه محسوبين في نظر المراقبين السياسيين على السعودية.
يقول الحمدي في حديث صحفي لمراسل مجلة "المصور " المصرية
"إننا بعد البيان العسكري في 72 م ،تعرضنا للاستدراج من قبل السياسيين بغرض الاشتراك في لجنة عليا لمتابعة الاصلاح المالي والاداري المقترح في بياننا ( أي بيان الضباط) وهو العمل الذي سيتم في ظل بقاء نفس العناصر المتسببة في الفساد والجمود ، وكان سيفشل مهمتنا ويعرضنا للاحتراق في ظل التمييع الذي سيتعرض له نشاط اللجنة ،وأيضا مخاطر السقوط لعناصرنا في نفس المستنقع جراء اليأس من عملية الإصلاح في هذه الظروف ،و جراء الإغراء المدروس الذي كان يتورط فيه بعض السياسيين لإفساد العسكريين الشباب ذوي النزعة الاصلاحية الضاغطة".
ومن هنا كان لابد من التفكير في الحل الجذري من موقع القدرة على صناعة القرار الوطني في مستوى القيادة ،لتكون هذه اللحظة هي التي شهدت اختمار فكرة الثورة على الأوضاع في رأس الحمدي.
أما اللحظة البدء في التخطيط ،فقد كانت مفعمة بإحساس عميق لدى كال الشرفاء بضرورة التحرك لإنقاذ البلاد بعد أن وصلت الكراهية بين الفرقاء إلى حد تهديد الأحمر بإحتلال العاصمة لطرد الارياني ، وربما قتله كما قيل ..
وكانت لحظة البداية هذه مطلباً ضمنياً ملحاً لكل الفرقاء في نهاية الامر ، إذا جاز لنا القفز على التعبير الأدق ، وهو أنها تحولت الى ضرورة هي محل تفهم من كل المتصارعين ليكون ذلك اهم المنعطفات في نضال حركة الأحرار اليمنيين ،لكونه شهد اول انتفاضة بيضاء داخل مدرسة الأحرار لم ترق فيه قطرة دم واحدة ، او تجري فيها أية ممارسة تعكس مضموناً انقلابياً بالمعنى المعروف سياسياً ، وإنما كانت محاولة للإنقاذ الوطني لا تختلف عن أية حالة من حالات التداول السلمي للسلطة ، وانتقالاً بالبلاد ضمن مقاييس تلك الاوضاع والظروف ،إلى الديمقراطية المحققة لمصالح اوسع الجماهير في أعلى تطبيقاتها المتزامنه والمتلازمة سياسياً واجتماعياً ، بما يلغي فرص الانتهازيين والطفيليين الطامحين على إجهاض مكاسب الشعب وتحويل العمل السياسي الى إلهاء وتكريس للذاتية المريضة ، وليس اسلوباُ راقياً للتغيير والتطور.
وعلى طريق التصحيح للاوضاع ، وإعادة البلاد الى أجواء السادس والعشرين من سبتمبر 62 م بكل بياض أهدافه النبيلة وأجواء اندفاعاته الجسورة المعززة بآمال المقهورين و أحلامهم المشروعة الخضراء ، بدأت نسائم يونيو تهب نهار اليوم الحادي عشر منه الذي شهد توديع الحمدي لرئيس الاركان المسافر جواً الى عمان .
في هذا الصدد – خاصة فيما يتعلق بحركة يونيو- يقول البحث الصادر في موسكو عن (التطور السياسي في الشطر الشمالي من بلادنا قبل الوحدة) لـ " جلوبو فسكايا إيلينا "
" إن التطور السياسي الذي حصل داخل اليمن الشمالي يومها ،يعود فضله الى إبراهيم الحمدي ، والى فلسفته " ، " وإن الدافع الاساسي لتسلم القوات المسلحة للسلطة ، هو ضعف القيادة السياسية ،حيث بات واضحاُ أن الفساد السياسي ، وعدم قدرتها على اتخاذ الخطوات السريعة و الحاسمة ،جعلاها عاجزة عن معالجة طموح المشايخ الإقليمية ، و الاضطرابات الشعبية المتصاعدة ، ونشاط الوحدات العسكرية بتوجهاتها السياسية المختلفة".
" وفي الواقع فقدت هذه القيادة زمام السيطرة على الوضع في البلاد .. كل تلك العوامل خلقت أرضية مناسبة لتشكيل تحالف جديد بقيادة ممثلي الضباط .. وكما هو معلوم يحتل الجيش في اليمن – تماماً كما هو حال الكثير في غيرها من البلدان حديثة الاستقلال – مكانة متميزة في المجتمع ، نظراً لظروف تخلف التكوينات الاجتماعية السياسية والاقتصادية ، ولغياب الطبقة السائدة اقتصادياً ، والانحسار البطيء في المقومات الاساسية للبنية الإقطاعية – وغياب المنظمات السياسية الجماهيرية ،وسلبية السكان السياسية" وكان الجيش اليمنى مؤهلاً وقادراً على تحمل أعباء المركزية ، من خلال دوره الثابت في عملية مسار تكوين وتشكيل الامة الواحدة.
ويلفت البحث النظر الى أن الدراسات والأبحاث السوفيتية حينها ، التي تتناول قضايا الجيش فش بلدان الشرق النامية ، اشارت الى أن " الجيش في هذه البلدان يلعب دور المؤسسة الحكومية والمنظمة السياسية ذات الطابع الخاص في آن واحد ، فالجيش جزء لا يتجزء من أجهزة الدولة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يعتبر الجيش صنفاً من صنوف المنظمات السياسية المتميزة بشكل واضح عن الاحزاب التقليدية ، كمنظمات سياسية لمختلف الطبقات .. وتنطبق هذه الاوصاف والمميزات على جيش اليمن الشمالي. وبانتزاع السلطة السياسية في 13 يونيو 74م ، نهض الجيش كقوة سياسية مركزية ومؤثرة أكثر من غيرها ، ومتميزة عن غيرها ،بصلابة وقوة هيكلها التنظيمي ، وفي ظروف اليمن الشمالي ، وما تتميز به من تخلف سياسي وغياب كامل للمنظمات السياسية ذات البيئة الحزبية تقريباً ، فقد كان الجيش بوضعه السالف الذكر ذا معنى كبير".
وثائق انتقال السلطة في يونيو 74 م من القاضي الارياني إلى الرئيس الحمدي
" أيها الإخوة المواطنون .. اسمحوا لي بأن أتوجه بأسمى وباسم أعضاء مجلس القيادة ،وباسمكم جميعاً ، بالثناء والشكر والتقدير إلى الوالد القاضي عبدالرحمن الارياني ،لما قدمه من أعمال عظيمة وخدمات جليلة للشعب اليمني ، والتي لن ننساها له لن ينساه له التاريخ"
إبراهيم محمد الحمدي
في 13 يونيو 74 م ، اضطرت الفعاليات الوطنية والمؤسسات السيادية التي في مقدمتها القوات المسلحة ، وعلى رأس الجميع الوالد القاضي الرئيس عبدالرحمن الارياني ، إلى حسم الموقف الصعب الناجم عن الأزمة السياسية ، وذلك بتسليم سلطات الرئيس وأعضاء المجلس الجمهوري إلى القوات المسلحة التي اجتمعت ممثلة في القيادة لعامة وكبار الضباط ، و أصدرت بياناً أعلنته إذاعة صنعاء في مساء نفس اليوم ، واستقبله المواطنون بابتهاج وحماس أعاد إلى الأذهان أجواء ليلة الثورة – الخميس 26 سبتمبر 62م هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
" أيها ألإخوة المواطنون ..
في هذه الظروف ن تاريخ مسيرة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة ، وبعد نضال مريم وتضحيات جسيمة قدمها شعبنا وقواته المسلحة وقوات الأمن في سبيل تثبيت النظام الجمهوري ،للوصول من خلاله الى تحقيق العدل والخير والرخاء لهذا الشعب، ومن أجل أن يسهم ويشارك كل مواطن في بناء الوطن وإقامة حكم شورى ديمقراطي ، ليعيش الإنسان اليمني في ظله موفور الكرامة .. آمناً على حياته وحريته و حقوقه..
في هذا الظرف .. أيها الإخوة المواطنون .. وبعد أن أمكن لنا أن نصل إلى شاطئ السلام والاستقرار ، بفضل تلك السياسة الحكيمة التي انتهجتها القيادة السياسية العليا في البلد ،وعلى رأسها سيادة القاضي عبدالرحمن بن يحيى الارياني ، بالتعاون مع كل القيادات والعناصر الوطنية الشريفة من مختلف القطاعات .. تلبد الجو بالغيوم الكثيفة ، وظهر نوع من التباين ي وجهات النظر ، نتج عنه انهيار في الأوضاع ، وفساد مالي وإداري ، وانفلات في الأجهزة والمؤسسات ،الامر ال1ي أدى ، وللاسف الشديد الى ان بعث السادة رئيس و أعضاء المجلس الجمهوري ، امس الخميس ، الثالث والعشرين من جمادي الاولى 1394 م الموافق الثالث عشر من يونيو 74 م .. بعثوا باستقالاتهم ، وذلك الى الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر –رئيس مجلس الشورى – الذي قام به بدوره فبعث باستقالته مع استقالات رئيس واعضاء المجلس الجمهوري الى القيادة العامة للقوات المسلحة .
أيها الاخوة المواطنون..
إن القوات المسلحة وقوات الامن قد واجهت اليوم موضوع استقالتي المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الشورى ، بتقدير عال للمسؤولية .. فعقد ضباط القوات المسلحة و الأمن بمقر القيادة العامة ،اجتماعاً موسعاً . وبعد تدارس الموقف من جميع جوانبه ، وما يقتضيه من تحوط ومن يقظة وتحمل للمسؤولية بصبر وايمان بالواجب الوطني، تم التوصل الى تشكيل مجلس قيادة يتكون من سبعة أعضاء برئاسة العقيد إبراهيم الحمدي.
إن المسؤولية قد فرضت على القوات المسلحة فرضاً ، وماكان في حسبانها أن يلقى عليها هذا العبء الكبير ، ولهذا فإنها تدعو جميع المواطنين في كل القطاعات ، وفي جميع أنحاء الجمهورية ، الى التعاون، والى استشعار المسؤولية ، والمحافظة على النظام والامن والاستقرار .
هذا و إننا نحيى بكل فخر واعتزاز شهداءنا الأحرار الذين ضحوا بأرواحهم عبر مراحل النضال اليمني ، والذين خطوا بدمائهم معالم حياة العزة والحرية للشعب اليمني.
كما نحيي شهداء مصر العربية الشقيقة ، الذين وصلوا لمساعدة إخوانهم اليمنيين ، واستشهدوا على ارض اليمن ، تجسيداُ للوحدة العربية والمصير العربي الواحد
أيها الأخوة: إننا نرجو من الله العون ، ونسأله التوفيق لتحقيق ما فيه خير وطننا وسلامته وسيادته واستقلاله.
و
ورحمة الله وبركاته.
وقد بعث الأستاذ أحمد جابر عفيف – وزير التربية والتعليم – بأول رسالة تأييد إلى مجلس القيادة "سيروا بشعبنا اليمني الكريم على طريق الثورة والبناء والتطور وتخليص الوطن من كل مخلفات التأخر والفساد والانفلات .. فسيروا إلى الإمام والله يرعاكم".
وبعث الأستاذ شرف أبو طالب بثاني برقية إلى مجلس القيادة " ما إن سمع الشباب المؤمن بوطنه وأمته نداء الحق من إذاعة صنعاء ، حتى أجمعوا الرأي مؤمنين بهذه الخطوة الحكيمة .. سيروا ونحن من ورائكم"
وأعلنت إذاعة صنعاء أنا مجلس القيادة تلقى رسالة من النقيب سنان أبو لحوم ضمنها استقالته من منصبه كمحافظ لمحافظة الحديدة ، وذلك عن اقتناع منه بضرورة إفساح المجال لعناصر جيدة تشارك في المسؤولية ، كما وعد بأن يبذل أقصى ما لديه من جهد للتعاون مع العهد الجديد في سبيل خدمة الوطن.
وقام الشيخ الأحمر في إطار أسلوبه المعروف بسياسة الجزرة والعصا مع خصومه بتجميع مشايخ القبائل الذين اجتمع بهم الحمدي في 15 يونيو في المعمر ، وأعلنوا تأييدهم ومباركتهم للوضع الجديد بكل ما يخدم مصالح اليمن ويحافظ على سيادته وأمنه واستقراره .
ومن القاهرة أبرق الفريق حسن العمري بالعبارات التالية " إلى العقيد إبراهيم الحمدي رئيس مجلس القيادة –صنعاء قلوبنا معكم والله يوفقكم "
ومن بيروت أبرق أحمد محمد الشامي بالعبارات التالية :" القائد الشجاع الحمدي وإخوانه الأبطال -صنعاء –اليمن .. شجاعتكم و إخلاصكم ووطنيتكم ستذلل المصاعب .. بارك الله خطاكم وثبت إقدامكم "
ومن بيروت أيضا هذه البرقية:
"الأخ العقيد إبراهيم الحمدي –صنعاء
بالإضافة إلى البرقية الجميلة التي بعثها الطلاب اليمنيون بالقاهرة ، ومئات البرقيات الأخرى